كان شهر مارس في العصور القديمة وبالخصوص عند الرومان سهرا خاصا بالحروب، وقد تمت تسميته نسبة لإله الحرب عندهم. هذا الشهر له العديد من الخصائص والمميزات التي تجعله مختلفا عن باقي شهور السنة في كل شيء، حتى في أحوال الطقس !
ما يهمنا في موقفنا اتجاه هذا الشهر اليوم، هو الأحداث التاريخية التي وقعت فيه، وجعت من أيامه خالدة بهذه الأحداث. وأهم هذه الأحداث والوقائع استشهاد ووفاة أعلام الأمة ورموزها وأعيانها، الذين ملأوا الكون بمواقفهم وجهادهم وعلمهم، وسأضع أمثلة من شهداء الجزائر وشهداء الأمة الإسلامية والعربية.
حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء، أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم، كان له من المواقف ما كان، وبإسلامه تغير موقف قريش من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استشهد رضي الله عنه في هذا الشهر في معركة أحد.
هارون الرشيد، خامس خلفاء الدولة العباسية، وهو من هو في الجهاد والعلم -بالرغم من الكثير من الحبر الذي سال في حقه- فقد كان يحج وعاما ويجاهد عاما، وقد كان زمانه من العصور الذهبية للدولة الإسلامية، وكان الرشيد أحد صنّاع أمجاد الدولة العباسية، وقد توفي في هذا الشهر أيضا.
عبد الرحمن بن خلدون، عالم ومؤرخ كبير، وواضع أسس وقواعد علم الإجتماع وصاحب كتاب "المقدمة" الذي خلد فيها نفسه ورحلاته الكثيرة لتي قام بها وخبراته التي اكتسبها أثناءها، وصنّف الأجناس والأعراق الإنسانية وهذّب التاريخ البشري وغيرها كثير من الأعمال التي لا يقوم بها سوى شخص مثل بن خلدون، الذي توفي في مثل هذا الشهر.
محمد عبده، عالم مصري كبير له باع طويل في القضاء والإفتاء خاصة في قضايا الميراث والأوقاف وشؤون الإقتصاد والاموال، توفي أيضا في شهر مارس.
جمال الدين الأفغاني، يعتبر معلم وأستاذ العالم الكبير "محمد عبده"، له موقف جليلة وقفها ضد الحكام الظالمين حتى أنه تم نفيه وطرده بسبب مواقفه، أسس جريدة "العروة الوثقى"، توفي في تركيا في شهر مارس.
محمد الغزالي، مفكر ومجدد وعالم كبير، سافر إلى العديد من البلدان لنشر علمه، وقد اقام في الجزائر سنين عديدة ودرس بجامعاتها وألقى الكثير من المحاضرات والخطب، وقد كانت له حصة خاصة في التلفزيون الجزائري يخاطب من خلالها الشعب الجزائري كل مساء، توفي رحمه الله في شهر مارس تاركا وراءه علما غزيرا وكتبا وفيرة.
أحمد ياسين، رجل مقعد على كرسي أقض مضاجع مسؤولي الكيان الصهيوني، مجاهد كبير لم يهنأ نوم للصهاينة حتى أعدو العدة من الجنود والطائرات وفجروا بيته واستشهد في مثل هذا الشهر.
مصطفى بن بولعيد، أبو الثورة الجزائرية وأسد الأوراس، أعد العدة والعتاد وبذل ماله وأفى شبابه في محاربة الإستعمار الفرنسي، جعل من الأوراس منطقة ساخنة حتى أن فرنسا أرخت دفاعها في باقي مناطق الجزائر لأجل ان تتفرغ لمنطقة الاوراس معقل الثورة التحريرية، استشهد رحمه الله في مثل هذا الشهر -ولا يزال استشهاده يُسيل الكثير من الحبير ويثير العديد من التساؤلات !-.
العربي بن مهيدي، قال عنه جنرال فرنسا "بيجو"، لو ان لي ثلة من أمثال بن مهيدي لغزوت العالم! ، ضرب لنا مثلا في الصبر والجلد وكان مثالا لكل جزائري لا يرضى الذل والهوان، وكان جلادوه يسلخون فروة رأسه ويرفض بذلك ان يقول كلمة واحدة، ومن أقواله الخالدة رحمه الله "ألقو بالثورة إلى الشارع فسيحتضنها الشعب"، ويعد أيضا من شهداء مارس.
العقيد عميروش، قائد معرقة شمال قسنطينة، وابن منطقة القبائل، كان السبب في فك الحصار عن منطقة الأوراس الساخنة وقد أوجع فرنسا بضرباته وكبدها خسائر كبيرة في العدة والعتاد والرجال، توفي رحمة الله عليه في شهر مارس، ولا تزال وفاته لحد الآن لغزا محيرا !.
العقيد سي الحواس، وهو من أبناء منطقة الأوراس وأحد قادتها، كان شابا في مقتبل العمر وجاهد إلى جانب العقيد عميروش، واستشهد معه في نفس المعركة في شهر مارس.
العقيد لطفي، المشرف الخلايا السرية التابعة لجيش التحرير الوطني، وأحدث العديد من الهزائم بالجيش الفرنسي في الجنوب الغربي للجزائر (المنطقة الخامسة)، توفي رحمه الله في شهر مارس.
محمد سعيد رمضان البوطي، عالم جليل ومفكر كبير، له العديد من المؤلفات والكتب والحصص التلفزيونية، ثابت في قراراته ومعتقداته التي يرى بأنها صواب، سخر فكره وقلمه لخدمة الديم والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وقد أثارت مواقفه السياسية حفيظة العديد من الناس، وقد تم انتقاده بشدة لهذا، وظلت مواقفه هذه لعزا محيرا، توفي رحمه الله بالأمس في 21 من شهر مارس، ونحسبه إن شاء الله عند الله شهيدا.