ان الاسكندر المقدوني ذو القرنين الرومي لما فرغ من أمر الملوك الذين كانوا بناحية المغرب ، سار يريد ملوك المشرق من الفرس و غيرهم ، فلم يزل يحارب من نازعه و يواقع من يواقعه ، و يسالم من وادعه من ملوك الفرس ، و هم الطبقة الاولى ، حتى ظهر عليهم ، و قهر من ناوأه ، و تغلب على من حاربه ، فتفرقوا طرائق ( فرقا ) و و تمزقوا حزائق ( قطعا ).
فتوجه بالجنود نحو بلاد الصين ، فبدأ في طريقه بملك الهند ليدعوه الى طاعته ، و الدخول في ملته و ولايته ،و كان على الهند في ذلك الزمان ملك ذو سطوة و بأس و قوة و مراس يقال له - فور -
، فلما بلغه اقبال ذي القرنين نحوه تأهب لمحاربته ، و استعد لمجاذبته ، و ضم اليه أطرافه ، و جد في التألب ( التجمع ) عليه ، و جمع له العدة في أسرع مدة من الفيلة المعدة للحروب ، و السباع المضراة بالوثوب ، مع الخيول المسرجة ، و السيوف القواطع ، و الحراب ( آلة من حديد تستعمل في الحروب ) اللوامع ، فلما قرب ذو القرنين من ( فور ) الهندي و بلغه ما قد أعد له من الخيل التي كأنها قطع الليل مما لم يلقه بمثله أحد من الملوك الين كانوا في الأقاليم تخوف ذو القرنين من تقصير يقع به ان عجل المبارزة ، و كان ذو القرنيين رجلا ذا حيل و مكايد مع حسن تدبير و تجربة ، فرأى اهمال الحيلة و التمهل ، و أحتفر ( حفر ) خندقا على عسكره ، و أقام بمكانه لاستباط الحيلة و التدبير لأمره ، و كيف ينبغي له أن يقدم على الايقاع به ، فأستدعى بالمنجمين ، و أمرهم بالاختيار ليوم موافق ، تكون له فبه سعادة لمحاربة ملك الهند و النصرة عليه ، فأشتغلوا بذلك.
و كان ذو القرنين لا يمر بمدينة الا أخذ الصناع المشهورين من صناعها بالحذق من كل صنف ، فأنتجت له همته ، و دلته فطنته أن يتقدم الى الصناع الذين معه في أن يصنعوا له خيلا من نحاس مجوفة ، عليها تماثيل من الرجال على بكر تجري ، اذا دفعت مرت سراعا ، و أمر اذا فرغوا منها أن تحشى أجوافها بالنفط و الكبريت ، و تلبس و تقدم أمام الصف في القلب ، و وقتما يلتقي الجمعان تضرم فيها النيران ، فان الفيلة اذا لفت خراطيمها عل الفرسان و هي حامية ولت هاربة... و أوعز الى الصناع بالتشمير و الانكماش ( الاسراع ) و الفراغ منها ، فجدوا في ذلك و عجلوا .
و قرب أيضا وقت اختيار المنجمين فأعاد ذو القرنين رسله الى ( فور ) بما يدعوه اليه من طاعته و الاذعان لدولته ، فاجاب جواب مصر على مخالفته ، مقيم على محاربته ، فلما راى ذو القرنين عزيمته سار اليه بأبهته ، و قدم ( فور ) الفيلة أمامه ، و دفعت الرجال تلك الخيل و تماثيل الفرسان ، فأقبلت الفيلة نحوها ، ولفت خراطيمها عليها ، فلما أحست بالحرارة ألقت من كان عليها ، و داستهم تحت أرجلها ، و مضت مهزومة هاربة ، لا تلوي علي شيئ و لاتمر بأحد الا وطئته ....و تقطع ( تفرق ) - فور - و جمعه ، و تبعهم أصحاب الاسكندر ، و أثخنوا ( أكثروا ) فيهم الجراح ....و صاح الاسكندر : يا ملك الهند ابرز الينا ، و أبق على عدتك و عيالك ، و لا تحملهم على الفناء ، فانه ليس من المروءة أن يرمي الملك بعدته في المهالك المتلفة و المواضع المجحفة ، بل يقيهم بماله ، و يدفع عنهم بنفسه ، فابرز الي و دع الجند ، فأينا قهر صاحبه فهو الأسعد ، فلما سمع ( فور ) من ذي القرنين ذلك الكلام دعته نفسه لملاقاته طمعا فيه ، و ظن ذلك فرصة...فبرز الاسكندر فتجاولا على ظهري فرسيهما ساعات من الهار ليس يلقى أحدهما من صاحبه فرصة ، و لم يزالا يتعاركان ، فلما أعيا الاسكندر أمره و لم يجد له فرصة و لا حيلة أوقع ذو القرنين في عسكره صيحة عظيمة أرتجت لها الأرض والعساكر ن فألتف ( فور ) عندما سمع الزعقة ، و ظنها مكيدة في عسكره فعاجله ذو القرنين بضربة أمالته عن سرجه ، و تبعه بأخرى فوقع على الأرض ، فلما رأت الهند ما نزل بهم ، و ما صار اليه ملكهم على الاسكندر فقاتلوه قتالا أحبوا معه الموت ، فوعدهم من نفسه الاحسان ، و منحه الله أكتافهم ،فأستولى على بلادهم ، وملك عليهم رجلا من ثقاته ، و أقام بالهند حتى استوثق ( أخذ الثقة من أهلها ) مما أراد من أمرهم و اتفاق كلمتهم ، ثم انصرف عن الهند و خلف ذلك الرجل عليهم ، ومضى متوجها نحو ما قصد له .
فلما بعد ذو القرنين عن الهند بجيوشه ، تغيرت الهند عما كانوا عليه من طاعة الرجل الي خلفه عليهم ، و قالوا : ليس يصلح للسياسة ، و لا ترضى الخاصة و العامة أن يملكوا عليهم رجلا ليس هو منهم و لا من أهل بيتهم ، فانه لا يزال يستذلهم و يستقلهم ، و اجتمعوا يملكون عليهم من أولاد ملوكهم ، فملكوا عليهم ملكا يقال له ( ديبشليم ) و خلعوا الرجل الذي كان خلفه عليهم الاسكندر .