لإستقامة( المشاهدات 363)
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون.يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نسائا و اتقوا الله الذي تسائلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد:
فعن سفيان ابن عبد الله رضي الله عنه أنه قال قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم {قل آمنت بالله ثم استقم}خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
قول سفيان ابن عبد الله رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه و سلم قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك طلب منه أن يعلمه كلاما جامعا لأمر الإسلام واضحا كافيا حتى لا يحتاج بعده إلى تفسير غيره فقال له النبي صلى الله عليه و سلم {قل آمنت بالله ثم استقم} و في رواية أخرى {قل ربي الله ثم استقم}و هذا منتزع من قول ربنا عز و جل {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقامو تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون }و قوله عز و جل {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزائا بما كانوا يعملون}قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى {ثم استقاموا}قال لم يشركوا بالله شيئا و عنه قال {لم يلتفتوا إلى إله غيره} و عنه قال {ثم استقاموا على أن الله ربهم} و روي عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية على المنبر { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}فقال لم يروغوا روغان الثعالب و عن أبي العالية رضي الله عنه و غفر له أنه قال {ثم أخلصوا له الدين و العمل}و كان الحسن البصري رحمه الله إذا قرأ هذه الآية قال {اللهم أنت ربنا فارزقنا الإستقامة}قال الله جل و علا {فاستقم كما أمرت و من تاب معك و لا تطغو إنه بما تعملون بصير}فأمره الله أن يستقيم و من تاب معه و أن لا يتجاوزوا ما أمروا به و هو الطغيان و أخبر أنه بصير بأعمالهم مطلع عليها و قال عز و جل {فلذلك فادع و استقم كما أمرت و لا تتبع أهوائهم }و قال ربنا سبحانه و تعالى {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه و استغفروه}الإستقامة هي سلوك الصراط المستقيم و هو الدين القيم من غير تعريج عنه يمنة و لا يسرة و يشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة و الباطنة و ترك المنهيات كلها كذلك و صارت هذه الوصية جامعة لخصال الدين كلها و في قوله عز و جل {فاستقيموا إليه و استغفروه}إشارة إلى أنه لا بد من تفصيل في الإستقامة مأمور بها فيجبر ذلك في الإستغفار المقتض للتوبة و الرجوع إلى الإستقامة فهو كقوله صلى الله عليه و سلم لمعاذ {اتق الله حيث ما كنت و أتبع السيئة الحسنة تمحها}و قد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن الناس لن يطيقوا الإستقامة حق الإستقامة كما خرجه الإمام أحمد و ابن ماجه من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال {استقيمواو لن تحصوا و اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة و لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن}و في رواية للإمام أحمد {سددوا و قاربوا و لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن} و في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال{سددوا و قاربوا}فالسداد هو حقيقة الإستقامة و هو الإصابة في جميع الأقوال و الأعمال و المقاصد كالذي يرمي إلى غرض فيصيبه و قد أمر النبي صلى الله عليه و سلم أمر علي أن يسأل الله السداد و الهدى و قال له {أذخر بالسداد تسديدك السهم و بالهدى هدايتك الطريق}خرجه الإمامان أحمد و مسلم.و المقاربة أن تصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه و لكن بشرط أن يكون مصمما على قصد السداد و إصابة الغرض فتكون مقاربته فتكون مقاربته عن غير عمد و يدل عليه قوله صلى الله عليه و سلم {أيها الناس إنكم لن تعملوا أو لن تطيقوا كل ما أمرتم و لكن سددوا و أبشروا} رواه أحمد و أبو داوود.و أصل الإستقامة إستقامة القلب على التوحيد كما فسر أبو بكر رضي الله عنه و غيره قوله تعالى {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}بأنهم لم يلتفتوا إلى غيره فمتى استقام القلب على معرفة الله و خشيته و إجلاله و مهابته و محبته و إرادته و رجائه و دعائه و التوكل عليه و الإعراض عما سواه استقامت الجوارح كلها على طاعته فإن القلب هو ملك الأعضاء و هي جنوده فإذا استقام الملك استقامت جنوده و رعاياه.فأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان فإنه ترجمان القلب و المعبر عنه و لهذا لما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالإستقامة وصاه بعد ذلك بحفظ لسانه فعند الترمذي من حديث سفيان ابن عبد الله رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم قال {قل ربي الله ثم استقم قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليه فأخذ بلسان نفسه ثم قال هذا}و هذا الحديث من بديع جوامع كلم التي اختصه الله بها فإنه صلى الله عليه و سلم جمع لهذا السائل في هاتين الكلمتين جميع معان الإيمان و الإسلام اعتقادا و قولا و عملا و حاصله أن الإسلام توحيد و طاعة فالتوحيد حاصل بالجملة الأولى و الطاعة بجميع أنواعها في ضمن الجملة الثانية إذ الإستقامة امتثال كل مأمور و اجتناب كل منهي و من ثم قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {فاستقم كما أمرت}ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه و سلم في جميع القرآن آية كانت أشد و لا أشق عليه من هذه الآية. اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال و الإكرام اللهم إنا نسألك الهدى و السداد ربنا اغفر لنا و لوالدينا و للمؤمنين يوم يقوم الحساب أقول هذا و أستغفر الله.
الحمد لله رب العالمين و لا عدوان إلا على الظالمين و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه أجمعين أما بعد:
فمن الإستقامة الإستقامة على التوحيد و السنة و البعد عن الشرك و البدعة قال الله جل و على {و إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس}دعاء و ابتهال و رجاء من خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام دعاء مصحوب بخوف و وجل و ذل و اعتراف بالفضل و المنة لله جل و على و أن القلوب بيده ما شاء أقام منها و ما شاء أزاغ دعا ربه أن يقيه الشرك و عبادة الأصنام و أن يجنب ذريته ذلك لما رأى كثيرا من الناس فتنوا بها رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ذكر الإمام ابن جرير في تفسيره أن إبراهيم التيمية رحمه الله كان يعظ الناس و يقول في وعظه من يأمن البلاء بعد خليل الله إبراهيم حين يقول {و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام}قال في قرة عيون الموحدين {و هذا مما يخيف العبد فإذا كان الخليل إمام الحنفاء الذي جعله الله أمتا واحدة و ابتلاه بكلماة فأتمهن و قال و إبراهيم الذي وفى و أمر بذبح ولده فامتثل أمر ربه و كسر الأصنام و اشتد نكيره على أهل الشرك و مع ذلك يخاف أن يقع في الشرك الذي هو عبادة الأصنام بعلمه أنه لا يصدقه منه إلا الله بهدايته و توفيقه لا بحوله و قوته}ثم قال رحمه الله {فالذي خافه الخليل إبراهيم على نفسه و بنيه وقع فيه أكثر الأمة بعد القرون المفضلة و بنيت المساجد و المشاهد على القبور و صرفت لها العبادات بأنواعها و اتخذ ذلك دينا و هي أوثان و أصنام كأصنام قوم نوح و الات و العزى و أصنام العرب و غيرهم فما أشبه ما وقع في آخر هذه الأمة بحال أهل الجاهلية من مشرك العرب و غيرهم بل وقع ما هو أعظم من الشرك في الربوبية مما يطول عده}انتهى كلامه رحمه الله و غفر له.عباد الله استقيموا على توحيد الله و احذروا الشرك و البدع فإن الشرك أعظم ذنب عصي الله به و لهذا رتب عليه من عقوبات الدنيا و الآخرة ما لم يرتب على ذنب سواه من إباحة دماء أهله و أموالهم و سبي نسائهم و أولادهم و عدم مغفرة الله لهم ذلك الذنب من بين الذنوب إلا بالتوبة منه و تحريم الجنة على صاحبه قال الله جل و على {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة و مأواه النار و ما للظالمين من أنصار}و قال الله سبحانه و تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء}و ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال {من مات و هو يدعوا لله ندا دخل النار}و من أجل ذلك كان حريا بالمؤمن أن يحرص على الإستقامة على التوحيد و أن يخاف من الشرك و يحذره و يعرف أسبابه و مبادئه و أنواعه لألى يقع فيه قال حذيفة رضي الله عنه {كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الخير و كنت أسأله عن الشرك مخافة أن أقع فيه} خرجه البخاري.و ذلك أن من لم يعرف إلا الخير قد يأتيه الشر و لا يعرف أنه شر فإما أن يقع فيه و إما أن لا ينكره كما ينكره الذي عرفه قال عمر رضي الله عنه{إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية}قال شيخ الإسلام ابن تيمية غفر الله له{و هو كما قال عمر رضي الله عنه فإن كمال الإسلام هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و تمام ذلك بالجهاد في سبيل الله و من نشأ في المعروف فلن يعرف غيره و قد لا يكون عنده من العلم بالمنكر و ظرره ما عند من علمه و لا يكون عنده من الجهاد لأهله ما عند الخبير بهم و لهذا كان الصحابة أعظم إيمانا و جهادا ممن بعدهم لكمال معرفتهم بالخير و الشر و كمال محبتهم للخير و بغضهم للشر بما علموه من حسن حال الإيمان و العمل الصالح و قبح حال الكفر و المعاصي}انتهى كلامه رحمه الله و غفر له.و قد بشر النبي صلى الله عليه وسلم من استقام على التوحيد و السنة فقال {من شهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و أن عيسى عبد الله و رسوله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه و الجنة حق و النار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل}و قال النبي صلى الله عليه و سلم {فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله}قال الله جل و علا {الذين آمنوا و لم يلبسوا أيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون}اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال و الإكرام اللهم إنا نسألك الجنة و ما قرب إليها من قول و عمل و نعوذ بك من النار و ما قرب إليها من قول و عمل اللهم أعز الإسلام و المسلمين و أذل الشرك و المشركين و دمر أعداء الدين و اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا و سائر بلاد المسلمين اللهم آمنا في دورنا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا و اجعل ولايتنا فيمن خافك و اتقاك و اتبع رضاك يا رب العالمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار.ربنا اغفر لنا و لوالدينا و للمؤمنين يوم يقوم الحساب ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم اللهم صل و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين